ما رأيك أن نجعل لهذه التدوينة طقوسا خاصة؟
طقوس مثل استحضار الأشباح في أدغال إفريقيا إذا كنت قد شاهدت أو حضرت واحدة منها
قبل أن تقرأ المقالة هل يمكنك أن تقول بصوت مرتفع قليلا “هابوت”؟
قلتها؟
إذا ، فهذا يعني أنك سهل الانقياد والطاعة 🙂
ماذا؟
تشعر بالغيظ مني؟
هذا يعني أنه من السهل توقع ردات فعلك!
تضحك مغتاظا ومندهشا من توقعي لردة فعلك؟
هذا يعني أنك من أفضل من رأيت في نمطية ردة الفعل
لنترك هذا الهراء ونتحدث في الأكثر هراءً
هل الفضول يقتل الإنسان؟
يقول المثل إن الفضول يقتل القطط. ولا أعتقد أن أحدا يعرف الأصل الحقيقي لذلك المثل. فهل القطط لديها فضول يكفي لقتلها؟
دعنا من القطط الآن ولننتقل إلى الإنسان. تقول العامة إن المرأة لديها فضول أكثر من الرجل. هل لذلك أصل علمي؟ لا أدري ولكني أعتقد أن نظرية فضول المرأة هي مجرد هراء لا أصل له وأن الرجل والمرأة على حد سواء يمكن أن يكونا فضوليين. ربما أن ما في الأمر أن المرأة لا تتوانى في التعبير عن فضولها بشكل طبيعي بينما الرجل يكتمه بشدة. لذلك من شواهد الحياة رأيت أمثلة لا بأس عن فضول الرجل والمرأة. فذاك شاب كان يحاول إقناعي بسرد قصة لم أرغب بسردها عليه. كان يبدو متعطشا لمعرفة التفاصيل حتى أنني سردت عليه قصى وهمية ليكف شره عني. لا ريب أنه يعرف أنها وهمية لكن أثر المخدر قد بدأ يسري في عروقه وهذا يكفيه. ذات يوم سافر رجل إلى بلد ما وكنت أعرف هذا الرجل معرفة جيدة. وكانت له زميلة في مكان عمله ويبدو أن الفضول كان يمزقها إربا فأرسلت تطلب مني أن أقول لها إلى أين سافر ذلك الرجل. ولما اندهشت من جرأتها لأني لا أعرفها واعتذرت منها عن الإجابة، كادت أن تتوسل. كنت أكاد لا أصدق ما يحدث أمامي. من أنت لأخبرك! ولماذا أخبرك! قالت بكل صدق: الفضول يقلتني. أريد أن أعرف أين!
سمعت عن موظف كان حافظة أسرار مخروقة لكل موظفي العمل حوله. كان يعرف كل شيء بحكم طبيعة عمله التي تتيح له سماع كل شيء ولا يتوانى بعد ذلك عن سرد القصص على الموظفين الآخرين. كان يجد في ذلك نوعا من التقدير لشخصه لأنه يبدو كأنه العالم ببواطن الأمور. هل تريد قصة أخرى؟ حسنا… إحدى الزميلات في العمل كانت تكاد توقف أي معاملة يقوم بها أي موظف إذا لم يشف فضولها حول معرفة أي خبر تظن أن ذلك الموظف يعرفه وهي لا تعرفه! كنت أتميز غيظا من ضحكاتها المتوترة حينما أعتذر منها بلطف عن إخبارها بأي شيء. كانت تظنني مخزن أسرار رغم أن كل ما في الأمر أنني لا أحب الفضوليين ولا أحب أن أصبح صنبورا مفتوحا، والأهم أنني لا أحب أن يلوي ذراعيَ أحد!
فلسفة الفضول
هل الفضول عادة حميدة أم ذميمة؟
بطبيعة الحال، الإنسان يحركه الفضول دوما. الفضول يمكن تعريفه أنه الرغبة في الحصول على معلومات. لكن الاختلاف الأخلاقي حول طبيعة المعلومات هو ما يجعل ذلك الفضول حميدا أو ذميما. ويبدو لي أن العرب قديما كانت تراه عادة ذميمة أو غير ذات أهمية إذ أن الكلمة جذرها يعود إلى مادة “فَضَلَ” أي زاد عن حده. والفضول في اللغة هي الزوائد التي لا حاجة للإنسان إليها. إذن الفضولي لغة هو الإنسان الذي يلاحق ما لا يعنيه. ومرادف الكلمة “التطفل” وهي أيضا تشبه الإنسان بالطفل في مسلكه للحصول على المعرفة.
الطفل يكون كثير الفضول إذ إنه يفتقر بشدة إلى المعلومات التي تساعده على فهم العالم حوله. والإنسان الذي يلج إلى عالم جديد يحتاج إلى معلومات تعينه في فهم عالمه. فالموظف الجديد، والمتزوج الجديد، والمسافر الجديد، والمراهق الجديد وغيرهم من الوالجين إلى عالم مغاير يصبحون فجأة جوعى معلومات. يريدون معرفة كل شيء حول هذا العالم المثير. تذكرّ(ي) حينما وصلت إلى سن البلوغ، كيف بدأت، بنهم، استكشاف التغيرات الجديدة التي تطرأ على جسدك! إنك تلج الآن إلى فاصلة عمرية جديدة. هذا الفضول يبدو لي أنه حميد. لا غضاضة في أن تكون فضوليا حين مناص.
الفضول الذميم هو الذي يتجاوز الحد المطلوب من المعرفة، أو يطلب معلومات عن حوادث تعني أشخاصا أخرين لا يرغبون في الإفصاح عنها. فالفضول قد يدفع الإنسان للتجسس، والنميمة والخوض في أعراض الناس وجرائم سلوكية أخرى. بل ويحط الفضول من قدر الإنسان. فالفضولي الذي يسأل عن النقير والقطمير مثير للشفقة لأنه ينشغل بتوافه الأمور وينصرف عما استحفظ عليه من عمل.
ومن وجهة نظري البحتة (يعني لا أبحاث ولا نيلة) الفضول في المجتمعات الخاملة يكاد يكون قاتلا. فالإنسان قد يسترق الأخبار ليحاول معرفة بواطن الأمور. ناهيك عن حبه المرضي للظهور بأنه يعلم ببواطن الأمور. ويزداد الفضول عندما تتكاثف المجتمعات البشرية جغرافيا. فالتكدس العمراني يجعل الإنسان أكثر تجليا أمام الآخرين. حينما نسكن أنا وأنت في شارع ضيق، يحتك شباكي بشباكك أكاد أعرف كل شيء عنك، بل قد أشعر بالغيظ إن أخفيت شيئا عني، على اعتبار أنني أصبحت واحدا من أهل الدار 🙂
ما يغيظني في الفضوليين هو ذلك الذي يرى أن من حقه أن يعرف. هذا يجعل من ذلك الإنسان يعيش حالة شبه مرضية من الشعور بالدون عند افتقاده للمعلومات، بل وربما يشعر بالخطر في بعض الأحيان فيدفعه ذلك الشعور إلى الاستماتة في طلب المعلومات. هذه حالة متقدمة من الفضول تجعل من الفضولي كائنا خطرا مستعدا لبذل مزيدا من الجهد المؤذي في سبيل الحصول على المعلومة. إلا أن ذلك الأمر أيضا يجعله في خانة الضعف أحيانا. فالحاجة إلى المعلومة إن وصلت إلى مستوى عال تجعل من صاحبها هشا ومستعدا لدفع ثمن ما في سبيل الحصول على تلك المعلومة. وهذا يذكرنا بكثير من المواقف التي كنا (على سبيل الدعابة) نبتز فيها أصدقاءنا الذين يحاولون معرفة شيء ما من خلالنا فنقول: كم تدفع وأقُل لك؟
يبدو أن الفضول سلوك ثانوي يتخفى حول سلوكيات أقوى منه وربما لذلك لم يهتم العلماء السلوكيون بهذه الصفة ولله أعلم. ثمة نظريتان حول الفضول. الأولى تحدثت عنها في البداية وخلاصتها أنها ترى الإنسان مدفوعا بالفضول لردم ثغرة معلوماتية. الإنسان المدفوع بالفضول إنسان يعاني من شعور غير محبب بانعدام اليقين، وسبب ذلك الانعدام هو افتقاره لمعلومات تجعله يفهم الأمور التي تجري من حوله، فيعمد إلى محاولة رأب الصدع اليقيني بالبحث والاستقصاء. هذا النوع يبدو لي عاديا ولا يثير مشاكل كثيرة لمن حوله.
النظرية الثانية تفترض أن الإنسان ينخرط في نشاط محموم للحصول على معلومات تجعله في حالة نشوة مستمرة سببها المعرفة المتزايدة سواء بسبب أو بدونه. أي أن مجرد الحصول على معلومات عن الأشياء وعن الآخرين يجعله ينتشي. وهذا النوع أراه خطيرا جدا. إذ أن انقطاع تلك النشوة لفترة قد يصيبه بثورة تدفعه للحصول على المعلومات بأي ثمن. هذا يشبه الإدمان على المخدرات والعياذ بالله.
أخيرا: دعوكم من خرافة فضول المرأة فهذه تبدو نظرية عفى عليها الزمن. كلنا فضوليون بدرجات متفاوتة. الفضول في طلب العلم النافع أرقى أنواع الفضول.
وحتى نلتقي،،،
مهيب
ملاحظة هامة: إذا شعرت أن هذه المقالة مفيدة، فتذكر أن الذي كتبها بذل جهدا كبيرا في كتابتها. يمكنك أن تشكره بأن تعيد نشر المقالة عبر صفحتك في فيسبوك أو تويتر كي يستفيد غيرك كما استفدت أنت. شكرا لكم 🙂
هذه المقالة تمت قراءتها 3165 مرة ______________ لا تنسى بعد قراءتك للمقال أن تقوم بتقييمه بواسطة النجوم لو سمحت 🙂