افتراضاتك الشخصية تتحكم فيك
يعيش الإنسان وفق افتراضات صاغ بعضها وصاغ المجتمع بعض منها. معظم اندهاشك في الحياة يأتي من تصادم ما تفترضه مع ما يحدث. لا أدري من قائل تلك المقولة المبدعة “الافتراضات هي أم الخوازيق” 🙂 لكنها بالتأكيد مقولة وجيهة. لماذا لأنك غالبا ما ستحكم على كل ما تراه بالصواب أو الخطأ بناء على توافق أو تضاد أي شيء مع افتراضاتك. لهذا كان العلم طريقا لتصويب كثيرا من الافتراضات الخاطئة.
أنت تفترض أن كل الناس يحبون الجبنة، فتصاب بصدمة حينما تدعو شخصا إلى بيتزا ويرفض الأكل لأنه لا يحب الجبن! تفترض أن كل الناس يحبون مشاهدة الأفلام الكوميدية فلا يمكن أن تتقبل أو تتفهم أن يشاهد صاحبك مسلسلات كئيبة مدرة للدموع. تفترضين أن زوجك يجب أن يكون عالما بكل شيء فتصابين بخيبة أمل لأن زوجك لا يمكنه إصلاح صنبور ماء يتدفق!
وهكذا تمضي حياتنا ضمن سلسلة لا تنتهي من الافتراضات.

صواب أم غلط؟
الإنسان الذي يعيش ضمن افتراضاته ولا تجد تلك الافتراضات أحدا يدحضها أو يخالفها قطعا يعيش في عالم مثالي. لكن لابد ليومٍ ما أن يأتي ويكتشف أن افتراضاته كانت مبالغة أو سلبية أو ضئيلة أو معقدة أو بسيطة أو أو أو…
أذكر أنه حينما سافرت إلى تركيا بغرض الدراسة في العام 1996 وسكنت في منطقة بأنقرة. كنت في طريقي من وإلى مركز اللغة في حي “صوقوللو” أطرح السلام بصوت جهوري على سكان الشارع الذي أسكن فيه. بعد عدة أيام بدأت ألاحظ أن بعض كبار السن يبتسمون حينما كنت ألوح لهم كل يوم بيدي كأني ابن لهم لم يرهم منذ زمن. بعد شهر تقريبا كان بصحبتي صديق تعرفت عليه وكان يسكن في تركيا منذ أكثر من سنة. لما رأى طريقتي في طرح السلام طفق يقهقه ويمسك يدي ويقول لي :”ماذا تفعل؟ لا تفضحنا!”… تساءلت: أفضحك؟ ماذا تقصد؟ قال إنهم لا يفعلون هكذا هنا. لا يعرف الناس إلا الجيران القريبين. وهم يطرحون السلام على من يعرفون عادةً….أنت لست في حي الشجاعية الحارة المكتظة التي يعرف كلُّ شخص فيها كلَّ شخص فيها. لم أتوقف عن طرح السلام بعدها (بتّ أطرحه بصوت خفيض) لكني كنت مندهشا كيف أنهم لا يتفهمون أن يقوم شاب مثلي بالصراخ بحماسة: سلاااامووو علااااايكم 🙂
الافتراضات ليست سيئة لكي ننتقدها ولا جيدة لكي نتمسك بها. كل إنسان له افتراضاته التي يرتاح إليها. لا يمكنني أن أتهم شخصا ما يحب الجبنة أنه إنسان متعجرف أو متصابٍ (أنا أكرهها بالمناسبة ويمكنك أن تقرأ مقالة كتبتها عن ذلك إن شئت على الرابط التالي
أنا أكره الجبنة http://moheeb.ps/?p=704) . ولا يمكن لي أن أعتقد أن الفتاة التي ترفض الزواج من شاب بسبب طبيعة عمله أنها فتاة سلبية.
لكنك ستعرف كم أن افتراضاتك تتناقض مع كثيرين حينما تختلط بالعالم الخارجي. حينها ربما تقول: “اضرب كمان. أنا عايز أتوب” 🙂
في عالم مليء بالتنوع ستجد افتراضاتك متناقضة كثيرة. طبعا أكثرها جلاءً ستجدها في الزواج. معظم الشجارات التي تحدث بين أهل العريس وأهل العروس ناجمة عن افتراضات مترسخة كأنها كتل أسمنتية مصبوبة منذ العهد العثماني. يقول أبو العريس: أولئك الأوغاد لم يقوموا بعزيمة أختي. كيف يجرؤون! أما أبو العروس فيقول: لا أدري لماذا لم يحضر خال العريس هدية معه. ما قلة الذوق هذه!
طبعا تنتقل الشجارات إلى بيت الزوجية بعد حفل الزفاف. أنت اليوم تعيش مع شخص آخر عاش لمدة ثمانية عشر عاما على الأقل في بيت آخر وسيادتك تفترض أن ذلك الشخص سيحمل نفس الافتراضات لمجرد أنكما جلستما معا لعدة ساعات بالجملة. هذا هراء محض. يجب أن تكون مستعدا لتقبل أن زوجتك مختلفة عنك ويجب أن تكوني مستعدة لتقبل أن زوجك مختلف عنك.
في فترة الخطوبة، سيكون من الصعب أن تعرفين أنه لا يحب الثوم على طبيخ الملوخية! كما أنه يصعب عليك أن تعرف أن زوجتك لا تطيق معجون الأسنان إياه (الذي يبدأ بحرف S). لا وقت لهذا الهراء في فترة الخطوبة التي بدلا من أن تحاولا التعرف على بعضكما البعض تقومان بالنصب على بعضكما البعض. الشاب يحاول أن يبدو شابا رائعا ثم بعد الزواج يظهر المارد الذي داخله (على رأي مدربي التنمية المهلبية) والشابة تحاول أن تكون أرقى فتاة في البلد، ثم بعد الزواج تبدأ في خرش الخيار والخس بذلك الصوت المثير إياه.
نعود إلى الافتراضات. في سوق الأعمال يمكن لعملك أن يخسر إذا لم تعرف افتراضات السوق. لذلك في إدارة المشاريع، نحن نقوم بعملية حصر للافتراضات الموجودة عند الزبون حتى نستطيع فهم طبيعة المنتج الذي يريد. لا يمكن أن تفترض أن أن الزبون يشاركك الافتراضات ذاتها. لن تمكث في السوق أكثر من ساعة إن فعلت ذلك! لعلك تعرف الصورة إياها حول تباين افتراضات كلٍّ من الزبون والمصمم والمصنّع والمسّوق إلخ. الصورة أدناه.

افتراضات وتوقعات متباينة
في الحياة الاجتماعية، جميل أن تعيش ضمن افتراضاتك لكن يجب أن تكون مستعدا لاختلافها مع الآخرين. كلما خرجت من دائرة راحتك ستتعرف على افتراضات عجيبة ولهذا يتعرض كل مسافر إلى بلد جديد إلى صدمة حضارية تزيد وتنقص بحسب اختلاف ثقافة بلده الحضارية عنها.
وحتى نلتقي،،،
ملاحظة هامة: إذا شعرت أن هذه المقالة مفيدة، فتذكر أن الذي كتبها بذل جهدا كبيرا في كتابتها. يمكنك أن تشكره بأن تعيد نشر المقالة عبر صفحتك في فيسبوك أو تويتر كي يستفيد غيرك كما استفدت أنت. شكرا لكم 🙂
هذه المقالة تمت قراءتها 3100 مرة ______________ لا تنسى بعد قراءتك للمقال أن تقوم بتقييمه بواسطة النجوم لو سمحت 🙂
Comments
تعليقات الفيسبوك