لطفاء جدا هؤلاء الصينيون. لديهم عادات غريبة جدا كعادة شعوب بلاد شرق آسيا. تراهم يبدعون في ابتداع عادات غريبة… لكن..هل سمعتم كيف كان الصينيون يعذبون السجناء؟ حسنا… كانوا يضعون السجين تحت أنبوب يقطر ماءً بمعدل قطرة ماء كل دقيقة (بقاييس عصرهم آنذاك) تسقط فوق جبين السجين الممدد تحت الأنبوب! كلا لا تسخروا من الطريقة يا سادة.. ولا تظنوا أني أهرطق.. فذلك المسكين ينتظر كل دقيقة لكي تسقط على جبينه قطرة ماء سمجة لتستقر في منطقة المثلث الذهبي (الجزء من جبين الإنسان الواقع بين عينيه). ثم تبدأ القطرة في التشتت والإنحدار من المثلث الذهبي إلى بقية أجزاء وجه السجين.
هكذا يمضي الوقت رتيبا خانقا، حتى يموت السجين لأي سبب (ربما يموت غيظا، كمدا، ضجرا، حزنا، أو بسبب رغبته القاتلة في حك وجهه عقب انحدار الماء فوقه!) كل هذا لا يهم السجين..لأنه سيكون ميتا بالطبع!…ما يعنينا نحن هو سبب موته، لأننا نعلم جميعا أنه لا يفيد الشاة معرفة سبب موتها بعد ذبحها.
الملل يقتل! وهذا يستدعي أن نجهز أنفسنا ضد الملل. هل الملل هو الذي قتل السجين؟ ربما كان من السهل الإدعاء بأن الفضول هو الذي قتل القطة لكن الإدعاء بأن الملل قتل السجين ليس سهلا. هل هو الروتين؟ أنا أعتقد أن الروتين هو الذي دفع السجين لكي ينهي وظائفه البيولوجية بهذه الطريقة المملة! فالروتين له وقع رتيب ممل مثله مثل عقارب الساعة التي تخفق بعنف في جوف الليل بلا كلل أو ملل. أقصى ما يمكن للنائم فعله هو تحطيمها أو إلقائها في أقرب مكب نفايات نووية للتخلص من “التك تك تك تك” المريع الذي تصدره تروس الساعة. لكن هذا يعد ترفا بالنسبة لذلك الجسين الذي لا يملك أن يوقف قطرات الماء الرتيبة.
الروتين الذي يدخل إلى حارة العمل بدون أي مواربة يسبب مشاكل قاتلة للعمل. يسرع عملية موت الموظفين إلى حد كبير. ويبطئ من وتيرة العمل إلى حد أكبر! فالموظف الذي يقضي نهاره في مراجعة أوراق أو كتابة تقارير يحتاج إلى كسر روتين العمل من خلال أنشطة عمل غير تقليدية. عليه أن يبحث عن طرق جديدة وتفاعلية تسهل عمله وتجدد نشاطه. مثلا يمكنه الالتحاق بدورة تدريبية هامة أو حضور ورشات عمل عن التحفيز الإداري والذاتي… أي شيء يفيد في كسر روتين العمل.
المسئولية أيضا تقع على صاحب العمل من حيث ضرورة تفعيل تدوير الموظفين وفق نظام مدروس بحيث يكسر الموظف ساقية الروتين القاتلة. أيضا يساعد التدوير على تدريب الأفراد على الوظائف المختلفة وتحسين مهاراتهم في مجالات عدة, ويزيد من التحفيز نحو التطوير, وذلك من خلال زيادة تنوع الواجبات التي يقوم بها الموظف.
الروتين أيضا يدفع بالحياة الزوجية إلى الانتحار البطيء أو السريع لا فرق إلا في طريقة تنفيذ عملية الانتحار! فلابد من تجديد الحياة الزوجية (وليس الزوجة بالطبع). يحتاج الإنسان منا إلى “معط” رقبة الروتين بكل شراسة حتى يحدث توازن في حياته الزوجية أو الشخصية (حتى لا نغضب العزّاب). بالمناسبة، كلمة “معط” كلمة عربية فصحى! فإذا كان الإنسان معتادً على المكوث في المنزل، فعليه الخروج من المنزل، وإذا كان معتادً على زيارة مطعم محدد كل فترة محددة، فعليه تغيير المطعم مثلا أو تغيير الوجبات في أقل تقدير، وإذا كان معتادً أن يزور البحر كل يوم خميس أو جمعة فعليه أن يبدل الأيام (لأنه لا يمكنه تغيير البحر قطعا!). ماذا لو جربنا أن نقرأ كتابا أو قصة أو صحيفة أو مجلة؟ ماذا لو قمنا بتغيير نمط البيت وإضافة أشياء جديدة؟ ماذا لو زرنا أناس جدد ؟ هناك أشياء كثيرة يمكن للإنسان فعلها لقتل الروتين.
لذلك على كل المصابين بفيروس الروتين أن يغيروا “جو” البيئة المحيطة بهم كي لا يصبح الإنسان مجرد حبة قمح في طاحونة تدور بلا توقف.. تسحقه حتى يستحيل معها غبارا تذروه الرياح. دعوني أذكركم بعنوان هذه المقالة…”الروتين على الطريقة الصينية” لماذا أذكركم بها الآن؟ لأن موعد الرحيل قد حان!
وحتى نلتقي،،،
غزة في 19/7/2010
ملاحظة هامة: إذا شعرت أن هذه المقالة مفيدة، فتذكر أن الذي كتبها بذل جهدا كبيرا في كتابتها. يمكنك أن تشكره بأن تعيد نشر المقالة عبر صفحتك في فيسبوك أو تويتر كي يستفيد غيرك كما استفدت أنت. شكرا لكم 🙂
هذه المقالة تمت قراءتها 3254 مرة ______________ لا تنسى بعد قراءتك للمقال أن تقوم بتقييمه بواسطة النجوم لو سمحت 🙂
اشكرك على كل وقت قضيته في نقل هذا المعلومات لنا
شكراً جزيلاً
صدقا عندما ازور مدونتك ، اشعر انني كل يوم بحاجة الى مثل هذه المقالات، مقالاتك تمس الواقع ، والروتين القاتل هو ما يقتل الانسان والجمل ان تبدع وتبتكر في التغيير ، اشكرك بعنف
ولا دعاية للموضوع????
اسفة على الخطا المطبعي
سؤال للدكتور بنجامين
شو دخل الموضوع بالمقال المكتوب
ولا داعية للموضوع الي كاتبه حضرتك؟؟؟؟؟
دكتور بنجامين…قرأت المقال…وهو يحوي معلومات قيمة..أن درست خارج فلسطين (في تركيا)…وأعتقد أن من أهم مميزات الدراسة خارج الوطن هو العودة بنظرة ثاقبة وأكثر دولية..وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفع والدي لكي يجعلني أدرس خارج فلسطين..
أشكر لك اهتمامك
أدعوكم إلى قراءة ملخص لمقالة علمية تشير إلى أن الدراسة في الخارج قد تجعل الصينيين أقل وطنية وأكثر دولية.